الأحد، 26 يونيو 2011

تغيير . . حرية . . عدالة إجتماعية !


ربما تمر بك في بعض الأحيان العديد من الجمل و لكنها غير أي جمل أُخري , تنغرس في عقلك و تصارع لتطفو علي ذهنك و تتسابق مع الحروف و الكلمات لتتشكل علي طرف لسانك فتخرج من فمك دائما و تلاحقك في كل مكان و زمان . . هذا ما أصابني بشدة في الفترة الأخيرة منذ وقت بدأ الثورة يوم 25 يناير عند أول مرة سمعت فيها شعار تغيير. . حرية . . عدالة إجتماعية , و لا أدري أي عبقري ربما دون أن يقصد صاغ الشعار بالصورة التي لم أكن أتخيل عمقها حتي قررت أن أبدأ في التحقق و التعمق في معناه و مغزاه .

 ربما لم أتوقف كثيراً أمام كلمة تغيير علي الرغم من عدم وجود الكلمة في القاموس المصري سابقاً أو علي الأقل في الثلاثين عام الماضية إلا في أضيق الحدود الصورية في جميع مجالات الحياة و لكن أسعفني المشاهدات الكثيرة التي مرت بنا منذ بدأ الثورة ففهمت و أدركت معني التغيير , و تحركت إلي معني الحرية فوجدتني أمام مخزون كبير من التفاسير الممكنة و المناسبة لكل شخص علي حسب هواه و هي من معانيها أيضاً من وجهة نظري أن هناك حرية في تفسير لفظة الحرية نفسها من شخص لاَخر طالما لم و لن تمس و تتعدي علي الاخريين و يكفينا أيضاً ما نشعر به منذ أن قامت ثورتنا المباركة لكي نلتمس معني وطعم و قيمة الحرية , ثم لم يكد يتحرك عقلي إلي النقطة الأخيرة في الشعار و هي العدالة الإجتماعية , حتي بدأت التسائلات تقفز إلي ذهني و تلح بشدة علي عقلي في ظل التظاهرات و المطالبات العامة و الفئوية وعدم وضوح مشروعية تلك التظاهرات والمطالبات من حيث المبدأ و طبيعة المطالب , ما سر إجتماع الكلمتان ؟ و لما لم يكن الشعار تغيير . . حرية . . عدالة فقط . . ما الفرق بين العدالة و العدالة الإجتماعية ؟  وما هو العدل ؟ و هل لو ساد العدل سيكون في صالح الجميع ؟ وهل للعدل صورة ثابتة أو تتغير صورته بتغير المواضع و الحالات ؟؟. .

ظلت تروادني الأسئلة و تلح علي عقلي حتي وجد ت ضالتي في كتاب "مجتمع جديد او الكارثة " للفيلسوف د.زكي نجيب محمود في فصل " العدل عندما يبصر" ووجدتني أمام أفضل مما كنت أتمني ان أجد وأحصل عليه من إجابات , وهنا أردت أن أوضح ما جاء به الفصل من تعريفات و شروحات , فيقول" ننظر اليوم لواقع حياتنا , فنري أن هذا الواقع ليس كله سواء , إذ ليست مجالات الحياة كلها من جنس واحد , و مما ينتج وجوب أن يكون لكل مجال أساسه الصالح له من أسس العدالة "  و هنا يحدد ثلاث مجالات أساسية تختلف أسس العدالة فيها , فهناك مجال " الحقوق " التي يحددها القانون لأصحابها و هناك مجال " الجدارة " مما يتطلبه من أسس أخري للعدالة , و المجال الثالث يحتم أن يكون أساس العدل فيه حياة الناس و متطلباتها الضرورية.

ففي مجال الحقوق يقول " إن معرفة القوانين و سلامة تطبيقها علي المتقاضين في المحاكم , هي مسألة حِرَفية لا تدخل في دنيا العدالة الواسعة إلا من باب ضيق محدود , يقتصر فيه الأمر علي العدل القضائي" و هو معني يكاد يقتصر علي رد الحقوق المغتصبة لأصحابها و يسميها العدل القضائي و يوضح ان " نُصِبَ له العدل القضائي ميزانه , عاصباً عينيه حتي لا يري أين يقع عقابه , وذلك لأنه إذا نظر ورأي فيجوز أن يجد من يقف أمامه صاحب سلطان ممن يخشي بأسهم , فيخاف العواقب , فيجفل , فلا ينزل عقابه حيث ينبغي أن ينزله" ومن هنا يتحتم تطبيق فكرة المساواة. 

ولكن سرعان ما تقفز فكرة المساواة لتخطلت وتضاد مع العدل , فيظن الكثيرون بأنهما كلمتان مترادفتان ولكن يأتي الكاتب ليوضح" أنه من العدالة مثلاَ وليس من المساواة أن لا نختار بالقرعة العمياء فريق الكرة الذي نوكل إليه المباراة بإسم مصر بل اننا لنتعمد إختيار الأمهر , وهكذا قل في مناصب الدولة و في مقاعد الدراسة بالجامعة وغير ذلك , فالعدل هو أن نختار لكل موضع أنسب الناس له وواضح أن ليس في هذا الموقف العادل مساواة" , و هذا الوضع يقوده للبحث عن تعريف اخر للعدالة في سياق "الجدارة" فيستنتج من محاورة أفلاطون "الجمهورية " تعريف للعدالة الإجتماعية و يقول " أن العدالة الإجتماعية معناها أن يوضع الناس في البناء الإجتماعي بحسب قدراتهم , و ما دامت هذه القدرات بالطبع ليست متساوية , فلا يجوز أن تتدخل فكرة المساواة لتفسد العدالة , ونحن إذ نقول في أيامنا هذه "الرجل المناسب في المكان المناسب" لا نقول إلا شيئاً مما أراده ذلك الفيلسوف القديم بفكرة العدالة" و هو ما إتفق معه رأي الإمام الغزالي فيما يقول في مفهوم العدل فوجده يقول "أولاً أن العدل فعل , فإذا أردنا معرفة العدل حين يوصف به الخالق , كان علينا أن نعرف فعله , وثانياً إذا نحن أحطنا بأفعال الله من اعلي ملكوت السماء إلي منتهي الثري كان لابد أن نلحظ ما بين أجزاء الكون من ترتيب خاص , و من هنا يخلص الغزالي إلي أن العدل مرتبط بهذا الترتيب , و إذن فهو صميم معناه وضع الشيء في موضعه الملائم ".

و يري أيضاً أنه هناك حاجة في وضع تعريف ثالث للعدل وهو " أن تكون العدالة الإجتماعية قائمة علي أساس حاجات الناس , لا علي أساس "الحقوق" المزعومة لأصحابها , ولا علي أساس "الجدارة" المطلقة , فنحن حين نكفل للعامل حداً أدني من الأجر ,نريد أن نقول بهذا , أنه مهما يكن من أمر الحقوق , وكائنة ماكانت جدارة العامل في عمله , فمن العدالة أن يعيش بحد أدني من الأجر, ثم له بعد ذلك أن يزيد , وحين نكفل للساكن في ملك غيره ألا يكون من حق المالك أن يطرد الساكن من مسكنه , نريد بهذا أن نقول أن الأمر ليس أمر حق و إمتلاك , بل هو قبل ذلك ضرورة حياة , فمن العدالة أن نترك لهذا الساكن ما يؤويه ".
و يري الكاتب أنه ينبغي أن تكون هذه التعريفات الثلاثة هي حجر الزاوية في بناء قواعد الحكم فيضع خلاصة لما ذكر و وضح قائلاً " أصلح الحكم ما يكون حساساً للفوارق التي تميز هذه المجالات الثلاثة بعضها من بعض , ليقيم لكل ميزانه الملائم , علي أنه إذا كان العدل في المجالين الأول و الثاني أعمي كما ينبغي له أن يكون , حتي لا يفرق بين الأشخاص إلا علي أساس "الحقوق" في المجال الأول , و إلا علي أساس " الجدارة" في المجال الثاني , فإنه لا بد للعدل في المجال الثالث أن يكون مبصراً ليري في وضوح من الذي يؤخذ منه ومن الذي يعطي ويعان".

هذا ما توصل إليه الفيلسوف د.زكي نجيب محمود في تعريفه للعدل والعدالة الإجتماعية . . فهل لنا أن نتفق علي هذه الركائز و نحن بصدد النقاش علي كيف سيكون شكل الحكم القادم في مصر , ولنختلف كيفما شئنا علي وسائل التنفيذ من مقترحات للوسائل المنفذة لهذه الركائز من مجالس تشريعية و نظام برلماني أو رئاسي أو شبه برلماني-رئاسي , فهل لنا أن نتفق قبل أن نختلف علي الوسائل ؟ و هل لنا أن نحقق شعار الثورة تغيير . . حرية . . عدالة إجتماعية.هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة بإذن الله.
عمرو الوكيل
25-3-2011