الخميس، 11 أغسطس 2011

د.مصطفى حجازى : مصر بين الإصلاح والاصطلاح


صخب و حشد .. حناجر تعلو بالصراخ .. احتقان و استقطاب .. ترصد بالأخر و بحث عن الضد..بل و خلق للأخر و الضد إن لم يكن حقا كذلك .. ألسنة مرسلة .. عواطف مشتعلة .. و عقول متوارية .. غائبة أو مغيبة.. أو بالأحرى مسجونة
هذا هو ملمح الركن الأكثر ظهورا فى المجتمع المصرى الآن ..
اقتحام لقدسية المشهد المصرى الوطنى الإنسانى و الملتحم فى ثورة 25 يناير.. اقتحام له بالمصالح السياسية الضيقة .. وبالأحلام المؤجلة للمشاركة فى الحكم مع يقين بمحدودية الكفاءة .. و بإرث نفسى حقيقى من المعاناة و الألم لمجموعات من أبناء المجتمع .. يريد كل من هؤلاء أن يدفع عموم المصريين - صانعو مشهد الثورة و من نزعوا المستبد - ثمن مصالح هذا و أحلام ذاك و معاناة الثالث .. أن يدفعوها قبولا باستبداد جديد .. و إن لم يكن استبداد
حاكم قاهر فهو استبداد .. رعونة .. أو جموح الطموح .. أو حماقة فى الوعى السياسى أو الإنسانى.
كل جلادى المشهد من أصحاب الحناجر و صانعى الاحتقان و الاستقطاب و المترصدين بالأخر أى أخر هم أيضا ضحايا بلاشك.
هم ضحايا أربعين سنة من تململ الهوية و ستون سنة من الأسر فى المصطلح و قرابة خمسمائة سنة أو أكثر من غياب مجتمعاتهم عن المشاركة الحقيقية فى الأنتاج الفكرى الإنسانى.
أربعون سنة أو أكثر .. تسحق هويتهم المصرية المنشئة لمجتعمهم و الضامنة لدولتهم بل و إنسانيتهم قبل كل شئ ..و يراد لهم أن يكونوا شراذم فى مجتمعات بديلة مفتتة ليس لها حظ من المصرية، إلا الوجود فى الحيز الجغرافى المصرى أما من حيث الهوية فحبذا لو كان هذا مجتمع "مسلم" و هذا "مسيحى" و هذا "حضرى" و هذا "قبلى" و منها يصنع "الضد


وأولى خطوات صناعة الضد هى التصنيف وأنجح وسائل التصنيف هى صناعة الاصطلاح ثم الشعار و التنادى ثم التنابذ به و تقديمه و تغييب المفهوم. 



أول قاعدة لسور الفرقة بين الشركاء هو المصطلح أو المبنى دون المفهوم أو المعنى والذى يتم التصنيف على خلفيته, و يحال التصنيف تمييزا و ينبنى سور العنصرية. و يبدأ التنادى فهذا "إسلامي و هذا "ليبرالى" وهذا "علمانى" وهذا "حداثى" وهذا "سلفى" ويكون التكريس هنا هو لمعنى "الضد


من ضد من؟ واقعيا الكل ضد الكل بل و ضد نفسه دون أن يشعر. فمن تحدث عن شخص كونه أسلامى من موقعة كليبرالى على أنه ضده فقد نزع عن ليبراليته ضمير الدين و الذى هو جوهر الانسانية فى كل حرية. و من تحدث عن حداثى أو ليبرالى من موقعه كسلفى أنه "الضد" فقد نزع عن نفسه واجب اقتفاء الحكمة و التى هى ضالة المؤمن بجمود أسره فى مصطلح الحداثة و يتجاوز قاعدته الفقهية الملزمة بأنه "لا مشاحة فى الاصطلاح". 



وهكذا الأسر فى المصطلح يبدأ بحجب المعنى والمفهوم وينتهى بالإعراض عن الحكمة والتى قال فيها ربنا تعالى" ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا.
يبدأ الأسر فى المصطلح بتغليب المبنى على المعنى فكرا .. وينتهى بالتغنى بالمبنى شعارا وينتهى أن الكل فى معرض رغبة الترقى أو التزكية أو الأصلاح للنفس أو المجتمع قد سجن نفسه فى الاصطلاح فصار الزام النفس بما من شأنه التأديب والتهذيب والتزكية والاصلاح عقلا إلى استدعاء للتنميط والتغييب والسجن فى الاصطلاح.
أى يترك المعنى إلى المبنى ويترك المبنى الى المغنى ويكون الانحدار من مجتمع من البشر يعقل ويفكر الى مجتمع من الببغاوات يسمع و يردد فالباحث عن المعنى والمفهوم يفكر بعقله.. والمستغرق فى المصطلح والمبنى يفكر بعاطفته .. والمسجون فى الشعار والمغنى يفكر بأذنيه.
وكأن أحمد شوقى فى رائعته مصرع كليوباترا يصف مشهدا نعيشه وآن لنا أن ننهيه حين يقول واصفا الحشود المستقبله للبطالمة الوافدين على لسان ملوك البطالمة.
إسمع الشعب (ديون) كيف يوحون إليه
ملأ الجو هتافا بحياة قاتليه
أثر البهتان فيه و إنطلى الزور عليه
ياله من ببغاء عقله فى أذنيه!!
مانقوله لكل فئة أو حشد أو جماعة أرادت لنفسها مكانا فى مصر القادمة .. هو أن الشعب المصرى صاحب مشهد 25 يناير باختلافه و تنوعه هو وحده صاحب المشهد. كل فئة أو حشد أو جماعة أرادت لنفسها نمطا تحيا به فهذا حقها و تلك حريتها و ذاك شأنها..




ولكن من أراد أن يحيا ويحيى مجتمعا مصريا صحيحا و دولة مصرية راعية وقادرة فعليك أن تعى أنك جزء من كل و لم تكن أبدا كل المشهد فى يوم ما و لن تكون. .. ووجودك فى المشهد المصرى مشروطا بدرجة رغبتك وجديتك فى أن تثرى المشهد باختلافك عن غيرك وإقرارك بهذا الاختلاف ضرورة حياة و حقيقة حياة. 
وخروجك من المشهد سيكون مقرونا بكفرك بفكرة الشراكة فى المجتمع وطموحك غير المشروع فى التغول على المشهد بنمطك أو بمحاولة الاستبداد به بأى طريقة كانت.
الشعب المصرى صاحب مشهد 25 يناير باختلافه وتنوعه هو وحده صاحب المشهد .. سيتعاطف مع الطموح المؤهل و مع صاحب المعاناة و النضال المخلص (حتى وإن غابت عنه الفطنة) ..ولكن لن يقبل بالطامح غير المؤهل أو صاحب تاريخ المعاناة على خلفية المن بالنضال ولن يقبل فى كل حال من أى أحد أى استبدادا أى كانت مسوغاته أو ادعاءات حضوره .
ياكل طامح أو صاحب حلم سياسى من أى المشارب أتيت و فى أى المصطلحات أسرت نفسك اعلم يقينا أن الشعب المصرى صاحب مشهد 25 يناير الذى صنف فيه المصرى "إنسانا" حرا" قبل و بعد كل شئ ..هو السيد وهو صاحب الحل والعقد والأمر والنهى هو بكل ألوان اختلافاته وحق لكل أبنائة بكل اختلافاتهم طالما اتفقوا فى إنسانيتهم و حريتهم ومصريتهم ولا يوجد شعب آخر و لن يوجد شعب آخر.
و لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها و لكن أحلام الرجال تضيق
فكروا تصحوا..

الأربعاء، 10 أغسطس 2011

المثقف المتقوقع و بنك الأفكار



مقالتي في الشروق 26-11-2010 - في عمود د.معتز بالله عبد الفتاح
عمرو الوكيل هو المهندس الشاب الذى سار واحدا من أصدقائى دون أن ألتقى به شخصيا قط. هو صديق عبر التليفون والإيميل والفيس بوك. هو مشغول برسالته للماجستير وعمله فى الجامعة، لكننى أثقلت عليه (ضمن آخرين) بأن طلبت منه أن يتابع عمودى اليومى وأن يساعدنى فى تقييم التجربة، فشجعنى قائلا: «ولا أخفى إعجابى الشديد بتجربة المقال اليومى التى تعتبر فى مجملها تجربة أكثر من رائعة رغم الإنهاك الذى أشعر أنه يصيبك من جراء هذه العملية.

ولكنه لم يؤثر على قوة وعمق المقال الأسبوعى. كما أن التواصل مع القراء وارتفاع مستوى النقاش والتحاور بين المعلقين على المقالات مفيد؛ وأكثر ما يسعدنى هو التفات مجموعة ليست بالقليلة من الشباب من شريحتى العمرية إلى مقالاتك وإحساسهم بالبساطة والوضوح فى عرض أفكارك دون الإخلال بعمق التناول لتلك الموضوعات». ولكن لعمرو مطالب بشأن قضيتين:

الأولى: هى فكرة بنك الأفكار التى كنت كتبت عنها من قبل، يقول عمرو «أود منك بشدة أخذ الموضوع بصورة جدية وإكسابها طابعا شعبيا وجماهيريا لتحدث ثورة من الحراك الفكرى بين شريحة من المتعلمين والمثقفين».

ويرى أن هذه الفكرة يمكن أن تساهم فى علاج القضية الثانية التى تؤرقه وهى ظهور شريحة كبيرة من الشباب الذين أطلق عليهم اسم «المثقف المتقوقع الذى لا يكاد يعرف أفراد أسرته حتى إنه مثقف أصلا.. فجزء كبير من الأسباب التى أدت لظهور هذه الشريحة هو عدم حث الكتاب وقادة الفكر والرأى لقرائهم على ضرورة الظهور بين الناس وإيجاد شعبية والمحافظة على صورة المثقف الناجح التى اندثرت.

وأرجو منك أيضا توجيه نظر العديد من الكتاب والمفكرين لإظهار واقتراح وسائل عملية لأفكارهم حتى لا نشعر أن تلك المقالات والكتب والأفكار نوع من الاستعراض الفكرى.» يقتبس عمرو من كتاب «مجتمع جديد أو الكارثة» للدكتور زكى نجيب محمود: «ليس الفكر ترفا يلهو به أصحابه كما يلهو بالكلمات المتقاطعة رجل أراد أن يقتل وقت فراغه، بل إن الفكر مرتبط بالمشكلات التى يحياها الناس حياة يكتنفها العناء، فيريدون لها حلا حتى تصفو لهم المشارب، وبمقدار ما نجد الفكرة على صلة عضوية وثيقة بإحدى تلك المشكلات، نقول إنها فكرة بالمعنى الصحيح». ردى على رسالة عمرو والعديد من الشباب الذين طالبوا بتفعيل فكرة بنك الأفكار سيكون فى المقال الأسبوعى، غدا السبت، إن شاء الله.